خطبة الجمعة : الوفاء وحفظ الجميل ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الوفاء وحفظ الجميل ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 19 محرم 1443هـ ، الموافق 27 أغسطس 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 أغسطس 2021م بصيغة word بعنوان : الوفاء وحفظ الجميل ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 27 أغسطس 2021م بصيغة pdf بعنوان : الوفاء وحفظ الجميل، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 27 أغسطس 2021م بعنوان : الوفاء وحفظ الجميل.
أولاً: الوفاء وحفظ الجميل من شيم الكرام.
ثانيــــًا : نكران الجميل من شيم اللئام .
ثالثــــًا :أين وفاؤنا لآبائنا وأمهاتنا؟
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 27أغسطس 2021م بعنوان : الوفاء وحفظ الجميل : كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة بعنوان: الوفاء وحفظ الجميل د. محمد حرز بتاريخ: 19 من المحرم 1442هــ – 27 أغسطس2021م
الحمد لله القائلِ في محكم التنزيل﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾(البقرة:237)، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ولي الصالحين وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيه من خلقه وحبيبه ,القائلُ كما في حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ (رواه أبو داود وأحمد ، فاللهم صل وسلم وزد وبارك على النبي المختار وعلى آله وصحبه الأطهار الأخيار وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد …..فأوصيكم ونفسي أيها الأخيار بتقوى العزيز الغفار{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (أل عمران :102)
ثم أما بعد :(( الوفاء وحفظ الجميل )) عنوان وزارتنا وعنوان خطبتنا
عناصر اللقاء:
أولاً: الوفاء وحفظ الجميل من شيم الكرام.
ثانيــــًا : نكران الجميل من شيم اللئام .
ثالثــــًا :أين وفاؤنا لآبائنا وأمهاتنا؟
أيها السادة : ما أحوجنا إلي أن يكون حديثنا عن الوفاء وحفظ الجميل وخاصة ونحن نعيش زمانًا ضاع فيه الوفاء وحفظ الجميل بين الناس ، وانتشر فيه نكران الجميل بين الناس بصورة مخزية ،بين الولد وأبيه، وبين الأخ وأخيه ,وبين المرأة وزوجها، وبين التلميذ وأستاذه وخاصة ونكران الجميل أصبح أمرًا سهلًا وهيننًا عند الكثير من الناس وسمة من سمات هذا العصر إلا ما رحم الله جل وعلا.
أولًا: الوفاء وحفظ الجميل من شِيَم الكرام.
أيها السادة : نبيناr هو نبي الأخلاق، وديننا هو دين الأخلاق، وشريعتنا هي شريعة الأخلاق، وقرآننا هو قرآن الأخلاق، بل الغاية الأسمى من بعثته صلى الله عليه وسلم هي الأخلاق كما في حديث أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ }رواه البخاري في الأدب المفرد, فالمؤمن بلا شك يريد أن يكون محبوبًا لدي الخالق، ومحبوبًا لدي الخلق، يريد أن يكون وجيهًا في الدنيا ووجيهًا في الآخرة، يريد أن يؤتى في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة .ولا يكون هذا إلا بفضل الله تبارك وتعالى ثم بحسن خُلُق، يرزقه الله تبارك وتعالى العبد إياه، ومن ثم كان أعلى الناس منزلةً يوم القيامة سيد ولد آدم ونبي الأخلاق صلى الله عليه وسلم , ومن أعظم الأخلاق التي ينبغي أن يتخلق بها المسلم في حياته: الوفاء وحفظ الجميل . فالوفاء وحفظ الجميل خلق عظيم من أخلاق الدين, ومبدأ كريم من مبادئ الإسلام, وشيمة من شيم الأبرار الأخيار, وصفة من صفات المؤمنين الموحدين ، أمرنا بها الدين ، وتخلق بها سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ،تدل على سمو النفس وعظمة القلب وسلامة الصدر ورجاحة العقل ووعى الروح ونبل الإنسانية وأصالة المعدن .
أيها السادة: لو نظرنا إلى القرآن الكريم وتأملنا ما فيه ،لوجدنا أن الله تبارك وتعالى أمرنا بالوفاء و بحفظ الجميل ورد المعروف ومقابلة الإحسان بالإحسان, والمكافأة للمعروف بمثله قال الله جل وعلا ((هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن:60), وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم:(( لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ(( رواه أحمد وأبو داود.بل قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث بن عمر رضى الله عنهما ))مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ..)
والوفاء وحفظ الجميل صفة اتصف بها أنبياء الله الصالحون، واتصف بها أولياء الله الطائعون. فهذا هو كليم الله موسي عليه السلام كان من أوفى الأوفياء، كما حكي القرآن ،عندما توجه تلقاء مدين وسقي الأغنام لابنتي شعيب على أرجح الأقوال ،وجاءته أحداهما على استحياء لكي تستدعيه له لكي يأخذ الأجر وليشكره على هذا الجميل والمعروف فقال له شعيب: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ )) سورة القصص:27) فماذا كان رد موسي ؟(قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ على وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ )(سورة القصص:28) فلقد روي البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ فَعَلَ)رواه البخاري. حفظًا للمعروف وردًا للجميل من نبي الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .
وهذا هو سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم كان أوفى الأوفياء، وأتقى الأتقياء ،وكان مثلاً أعلى في الوفاء وحفظ الجميل, وكيف لا؟ وهذا الذي ربى أصحابه وأمته على الوفاء وحفظ الجميل فلقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أوفى الناس لأهله ولأصحابه وللناس أجمعين, وكان نبينا صلى الله عليه وسلم وفيًا مع الأصحاب يقول عن أبي بكر رضى الله عنه ((إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ: أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا البخاري. واعتزَّ الإسلامُ بإسلامِ عمرَ بنِ الخطاب رضى الله عنه، وأبلى في المشاهِدِ بلاءً حسنًا، بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ))رواه فقال عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حفظا للجميل : ((عمر في الجنّة)) رواه أحمد. ولمّا بذل عثمانُ رضى الله عنه لهذا الدينِ مِن ماله ما بَذل وجهَّز جيشَ العُسْرة بألفِ دينارٍ ألقاها في حِجر النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال له ردًا للجميل وحفظًا للمعروف وهو يقلب الدنانير في حجره : ((ما ضَرَّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم, اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض غفر الله لك يا عثمان ما أعلنت وما أسررت وما هو كائن إلى يوم القيامة )) رواه الترمذيّ.
وهذا عليٌّ رضى الله عنه أوّلُ من أسلم من الصّبيان، فقال النبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيه يومَ خيبر حفظًا للجميل وردًا للمعروف: ((لأُعطينَّ الرايةَ غدًا رجلاً يحبّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه))، فأعطاها عليًّا. رواه البخاري. وصلَّى على شهداء أُحُدٍ بعد ثمان سنين من استشهادهم كالمُودِّع لهم. متفق عليه. وصلَّى على قبر جاريةٍ سوداءَ كانت تقُمُّ المسجد وتنظفه كل هذا من باب الوفاء وحفظ الجميل لأصحابه .
وفي مشهد رهيب يعلن فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن وفائه للأنصار وحفظ الجميل لهم بعد قسمة الغنائم في حنين وظن الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم سيرجع مع المهاجرين ويتركهم فقال صلى الله عليه وسلم :واللهِ لَو شِئتُم لقُلتُم فصدَقتُم وصُدِّقتُم : جئتَنا طريدًا فآوَيناكَ ، وعائلًا فآسَيناكَ ، وخائفًا فأمَّنَّاكَ ، ومَخذولًا فنصَرناكَ . . . فقالوا : المَّنُ للهِ ورسولِهِ . فقال : أوَجَدتُم في نُفوسِكُم يا مَعشرَ الأنصارِ في لُعاعَةٍ مِن الدُّنيا تألَّفتُ بِها قَومًا أسلَموا ، ووَكَلتُكُم إلى ما قسمَ اللهُ لكُم مِن الإسلامِ ! ! أفَلا تَرضَونَ يا مَعشرَ الأنصارِ أن يذهبَ النَّاسُ إلى رِحالِهِم بالشَّاءِ والبَعيرِ وتذهَبونَ برسولِ اللهِ إلى رِحالِكُم ؟ . فَوَ الَّذي نَفسي بيدِهِ ، لَو أنَّ النَّاسَ سَلَكوا شِعبًا وسَلَكتِ الأنصارُ شِعبًا ، لسَلَكتُ شِعبَ الأنصارِ ، ولَولا الهجرةُ لكُنتُ امْرَأً مِن الأنصارِ . اللَّهمَّ ارحَمْ الأنصارَ ، وأبناءَ الأنصارِ ، وأبناءَ أبناءِ الأنصارِ . فبكَى القَومُ حتَّى أخضَلوا لِحاهُم . وقالوا : رَضينا باللهِ رَبًّا ، ورسولِهِ قسمًا ، ثمَّ انصرفَ . . وتفرَقوا ) رواه أحمد
ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وفيًا مع الأحياء، فحسب بل كان وفيًا مع الأموات فلقد كان وفيًا مع رمز الوفاء، وسكن الأنبياء ,الطاهرة في الجاهلية والإسلام ,خديجة بن خويلد عليها من ربها الرضوان والرحمات فلقد كانت عائشة رضي الله عنها تغار منها وهي ميتة فقالت يومًا كما في حديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قالت : كان النبي e إذا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى
عليها فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قالت : فَغِرْتُ يَوْماً فقلت : ما أَكْثَرَ ما تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قد أَبْدَلَكَ الله عز وجل بها خَيْرًا منها قال : ” ما أبدلني الله عز وجل خَيْرًا منها قد آمَنَتْ بي إِذْ كَفَرَ بي الناس وصدقتني إِذْ كذبني الناس وواستني بما لها إذا حرمني الناس ورزقني الله عز وجل وَلَدَهَا إِذْ حرمني أَوْلاَدَ النِّسَاءِ ” رواه أحمد في مسنده . و كانe يكرم خلائل خديجة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ
فعَنْ عَائِشَةَـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ eإِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ eإِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ e :«إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا»(متفق عليه) .
قال النووي : وفي هذا كله دليل لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والعشير
في حياته ووفاته وإكرام أهل ذلك الصاحب
وعن عائشة رضى الله عنها جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهو عندي فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : من أنتِ ؟ قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتُم بعدنا ؟ قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ فلما خرجتُ قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ وإنَّ حسنَ العهدِ من الإيمانِ) رواه الحاكم . وأمرنا عليه الصلاة والسلام بحفظ الوُدِّ لصحابته كلِّهم بعد مماته، فقال صلى الله عليه وسلم): لا تسُبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدُكم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما أدركَ مُدَّ أحدهم ولا نصيفَه))رواه مسلم.
ولم يكن النبي rوفيًا مع الأحباب والأصحاب فحسب بل كان وفيا مع الأعداء والكفار، فحين رجع من الطائف حزينًا كئيبًا مهمومًا بسبب إعراضهم عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة إلا في حماية المُطْعِم بن عَدي , روى مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ) لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ)رواه البخاري… يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء. فانظروا إلى الوفاء حتى مع المشركين…. وهــذا أبو البُحْتري بن هشام؟ إنه أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله وأصحابه في شِعْب أبي طالب؛ فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم: «من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله» الله الله في الوفاء, الله الله في رد الجميل من سيد الأوفياء صلى الله عليه وسلم .
ومن أعظم الوفاء وحفظ الجميل ورد المعروف :الوفاء للوطن يا سادة الذي نعيش فيه فحب الوطن دين وإيمان وإحسان , وحب الوطن من هدى النبي العدنان صلى اله عليه وسلم والنبين الأخيار(؛ ولم لا ؟ ولنا الأسوة في نبينا صلى الله عليه وسلم ووفائه لوطنه مكة المكرمة التي تربى على أرضها؛ فقال وهو يودعها وفاءً لها: وحفظًا لجميها وشوقًا وحنينًا إليها وَالله إِنَّك لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلًى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ))رواه الترمذي. ومن الوفاء للأوطان يا سادة: المحافظة عليه وعلى منشآته العامة والخاصة؛ والحفاظ على أمنه واستقراره !! وعدم الإفساد في أرضه؛ أو تخريبه وتدميره؛ وعدم النيل من شرطتنا وجيشنا !! قال الأصمعي: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه)) الله الله في حب الأوطان.
فما أحوجنا اليوم أيها السادة إلى وفاء حقيقي لا جحود ولا نكران للجميل فيه، وفاء التلميذ لأستاذه، والولد لأبيه، والصانع لمن علمه، والإنسان لمن أحسن إليه، وأن لا نقابل الحسنة بالسيئة، بل نقابل السيئة بالحسنة قال جل وعلا:) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (فصلت :34)، فكيف بمن أحسن إلينا، ومد وقت الشدة يد العون لنا؟! إنه الأولى بالوفاء والإكرام، فالوفاء وحفظ الجميل من شيم الكرام أيها الأخيار.
ثانيــــًا : نكران الجميل من شِيم اللئام .
أيها السادة : نكران الجميل داء اجتماعي خطير ،ووباء خلقي كبير ،ما فشا في أمة إلا كان نذيرًا لهلاكها ،وما دب في أسرة إلا كان سببًا لفنائها ،فهي مصدر كل عداء وينبوع كل شر وتعاسة .
ونكران الجميل دليلٌ على ضعف الإيمان وسوء الأخلاق، ومن شيم اللئام . ونكران الجميل سبب من أسباب العقوبة وزول النعمة يا سادة فعن أبي هريرةَ – رضي الله عنه – أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم – يقُولُ: ((إنَّ ثَلاثَةً مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ: أبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، أَرَادَ اللهُ أنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعَثَ إِليْهمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسنٌ، وَجِلدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِيَ لَونًا حَسنًا، فَقَالَ: فَأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليكَ؟ قَالَ: الإِبلُ – أَوْ قالَ: البَقَرُ، شكَّ الرَّاوي – فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: بَاركَ الله لَكَ فِيهَا.فَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَذِرَني النَّاسُ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهبَ عَنْهُ وأُعْطِيَ شَعرًا حَسَنًا، قالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً، وَقالَ: بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا.فَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ الله إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ النَّاسَ؛ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟ قَالَ: الغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شَاةً والدًا، فَأَنْتَجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الإِبلِ، وَلِهذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ.ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ، فَقَالَ: رَجلٌ مِسْكينٌ قَدِ انقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَري فَلا بَلاغَ لِيَ اليَومَ إلاَّ باللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ، والجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ – بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بِهِ في سَفَري، فَقَالَ: الحُقُوقُ كثِيرةٌ، فَقَالَ: كأنِّي أعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فقيرًا فأعْطَاكَ اللهُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ.وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذا، وَرَدَّ عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا، فَقَالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ.وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكينٌ وابنُ سَبيلٍ انْقَطَعتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي، فَلا بَلاَغَ لِيَ اليَومَ إلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَركَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفري؟ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أعمَى فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ ما أجْهَدُكَ اليَومَ بِشَيءٍ أخَذْتَهُ للهِ – عز وجل – فَقَالَ: أمْسِكْ مالَكَ فِإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رضي الله عنك، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. أرأيتم كيف أنكر كلٌّ من الأبرص والأقرع نعمة الله – تعالى – وجحدوا إحسانه عليهم، وزعموا أنه من كدِّهم وكدِّ آبائهم، وهذا من أقبح ما يكون عليه الإنسان، فعاقبهما الله – تعالى – بسلب النعمة منهما؟ أمَّا الأعمى شكر الله تعالى ولم ينكر الجميل، فنال رضا الله وحافَظ على تلك النعمة.فكم من إنسان أحسنت إليه وأنكر الجميل ولم يحفظ المعروف !!!!! وكم من جار أحسن إلى جاره وأنكر الجميل ولم يحفظ المعروف!!!! وكم من أستاذ أحسن إلى تلميذه وأنكر الجميل !!! وكم من زوجة أحسنت لزوجها وأنكر الجميل !!! وكم من زوجة أحسن إليها زوجُها وأكرمها وعاملها المعاملة الطيبة، ولم يقصر في يوم من الأيام معها في مأكل أو ملبس، وعند أوَّل خلافٍ بينهما قالت: (ما رأيت منك خيرًا قط)!!لذا كان نكران الجميل، وجحد معروف الآخرين سببًا مِن أسباب دخول النار: فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما–قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أُرِيْتُ النارَ فإذا أكثرُ أهلِها النساءُ يَكْفُرْنَ))، قيل: أَيَكْفُرْنَ باللهِ؟ قال: ((يَكْفُرْنَ العشيرَ ويكفرن الإحسانَ؛ إنْ أحسنتْ إلى إحداهن الدهرَ ثم رأتْ منك شيئًا قالتْ: ما رأيتُ منكَ خيرًا قطُّ))رواه البخاري وكم من أم مات زوجها فضحَّت بنفسها ومالها؛ ليكمل ابنها الطريق، ولما فتح الله عليه ووسَّع له في رزقه إذا به يتنكَّر لتلك الأم المجاهدة، بل يفضل زوجته عليها، بل ربما وصل الأمر لحد العقوق!!!فكم من أمٍّ بكَت من ولدها! الله أكبر، أين هؤلاء من قول ابن عمر – رضي الله عنهما – عندما ذكر الكبائر قال: “وبكاء الوالدين من العقوق”؟!
ولله در القائل إذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الْكَرِيمَ مَلَكْتَهُ *** وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَا
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية الحمد لله ولا حمد إلا له وبسم الله ولا يستعان إلا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعد
ثالثــــاً :أين وفاؤنا لآبائنا وأمهاتنا؟
أيها السادة :أحق الناس بالوفاء وحفظ الجميل هم الأبوان, وكيف لا؟ والله جل وعلا جعل شكره مقرونًا بشكر الوالدين فقال ربنا: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلى الْمَصِيرُ ))(لقمان :14) فالشكر لله على نعمة الإيمان، والشكر للوالدين على نعمة التربية . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَمَنْ شَكَرَ اللَّهَ وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الشكر . َلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ }.وصدق ربنا إذ يقول:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) سورة الإسراء: 23
والعقوق نكران للجميل والعقوق دين أنت قاضيه في الدنيا قبل الآخرة فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تعالى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ) رواه أبو داود
والعاق مطرود من رحمة الرحمن قال ربنا: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) [سورة محمد: 22].
ومن الوفاء وحفظ الجميل للوالدين كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا قَالَ نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا)رواه ابن ماجه. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) رواه أحمد في مسنده
بل من البر والوفاء وحفظ الجميل كما قال النبي المختار صلى الله عليه وسلم فنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ) رواه مسلم
واعلم أيها الحبيب : مهما بررت بأمك فلن تعطيها حقها ولا بطلقة من طلقات الحمل .فلَقَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجُلًا يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ فَقَالَ : يَا ابْنَ عُمَرَ أَتَرَى أَنِّي جَزَيْتهَا ؟ قَالَ : لَا وَلَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنَّك أَحْسَنْت وَاَللَّهُ يُثِيبُك عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرًا .بل أن رجلاً أتى عمر رضي الله عنه فقال إن لي أمًا بلغ بها الكبر وأنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها وأوضئها، وأصرف وجهي عنها، فهل أديت حقها؟ قال: لا. قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفسي عليها؟ قال: (إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى فراقها).
والوفاء وحفظ الجميل خُلق الكرام، به يسعد الفرد في الدنيا والآخرة وبه يعيش المجتمع في أمن وأمان فالحقوق محفوظة والأعراض مصونة والحب والتراحم يسود بين أفراد المجتمع وبه ينال المسلم رضا ربه ويهنأ بدخول جنته ..
فاللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض. . . . . . الدعاء
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف